كريستوفر اولغياتي
مخرج فيلم "رجل غريب الأطوار-العالم السري للقذافي"
منذ مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي الشائن على أيدي حشد من الثوار في أكتوبر/تشرين الأول عام 2011، راج الكثير عن هذه الشخصية بالقول أو بالكتابة.
لكن هناك فيلما جديدا يتضمن لقاءات غير مسبوقة مع مقربين من القذافي يقدم صورة شاملة عن الزعيم الليبي الذي حكم البلاد طويلا وعرف بقسوته وتناقضاته.
علي العجيلي، سفير القذافي السابق لدى الولايات المتحدة، رجل يتمتع بجاذبية استثنائية، وكان قد بدأ عمله في السلك الدبلوماسي الليبي بعد عامين من استحواذ القذافي على السلطة عام 1969.
وفي سلسلة من التعليقات من لندن إلى أمريكا اللاتينية، شرح الرجل دون قيود تجاوزات نظام القذافي، لذا كنت مندهشا جدا لكوني أجلس مع العجيلي وحوله مبنى السفارة اللييبة المزخرف بشكل جذاب في واشنطن، أسمعه وهو ينتقد بشدة العقيد الراحل.
انشق العجيلي إلى صفوف الثوار الليبيين في فبراير/شباط عام 2011 وأصبح سفيرا لهم في الولايات المتحدة.
ووفقا لرؤيته، فإنه لا يرصد حقا أي شيء جيد يذكر عن هذا الرجل الذي خدم العجيلي في نظامه معظم فترات حياته.
بدأت الأسرار عن القذافي تنكشف واحدا تلو الآخر.
تحققنا من أكبر عدد ممكن من رواياته. كانت هناك روايات لم نستطع تتبعها، مثل مزاعم العجيلي بأن شابا قيد بسيارتين ومزق إلى نصفين بعد أن شكا من أن القذافي أقام علاقة جنسية مع زوجته. لكن كانت هناك بعض المزاعم التي استطعنا التحقق منها.
أحد هذه المزاعم كانت في 22 ديسمبر/كانون الأول عام 1992، بعد نحو أربع سنوات من اليوم الذي فجرت فيه طائرة (بان أمريكا 103) فوق لوكيربي، حيث أسقطت طائرة727 تابعة للخطوط الجوية العربية الليبية بناء على أوامر من القذافي، مما أسفر عن سقوط 157 شخصا ، ليبيون وأجانب.
"100 في المئة"
بعد سقوط القذافي، حاولت زوجة بريطانية لأحد الضحايا الضغط على الحكومة الليبية الجديدة لفتح تحقيق في الحادث.
وجمع مراسلون تصريحات أدلى بها طيارون عسكريون في المنطقة، وموظفو الرقابة الجوية وعاملون في شركات طيران. لكن المثير في تصريح العجيلي بالنسبة لنا كان هو أنه للمرة الأولى يتحدث رجل من الذين يعلمون بواطن الأمور داخل نظام القذافي عن أسرار الزعيم الليبي الراحل.
سألنا العجيلي إذا كان متأكدا من هذه الرواية، فأجاب بأنه متأكد "100 في المئة". وقال إنه وضعت قنبلة موقوتة على متن الطائرة، وحينما لم تنفجر، أمر القذافي بإسقاط الطائرة بالقرب من مطار طرابلس.
لماذا؟
وقال العجيلي إن هدفه هو أن يظهر للغرب، عبر وسائل الإعلام الرسمية الليبية، إلى أي مدى أثرت العقوبات الدولية التي فرضت على البلاد بعد حادث لوكيربي على المواطنين العاديين.
ولعدم قدرة الشركة على شراء قطع غيار، لم تستطع الخطوط الجوية العربية الليبية تسيير طائرات بأمان، وكان المتوفون ضحايا لما أراد القذافي أن يصوره للزائرين بأنه إرهاب غربي.
وتباين التفسير الرسمي للحادثة، وسجنت السلطات في نهاية المطاف قائدا في سلاح الجو الليبي ومدربه، بزعم أنهما اصطدما بالطائرة.
ووافق مدرب قائد طائرة سلاح الجو الليبي ويدعى ماجد طياري على أن يلتقي بنا في أحد فنادق طرابلس، ليؤكد لنا أنه لم يحدث أي اصطدام.
وقال إنه رأى جزءا من ذيل الطائرة 727 يندفع نحوه، مضيفا أن شيئا ضرب أسفل الطائرة، وهي من طراز "ميغ"، ثم اندلعت النيران، وقفز الطيران منها. ووفقا لروايته، فإن الطائرة 727 ضربت في بادئ الأمر.
ذهبنا إلى موقع تحطم الطائرة، ثم تجاوزنا موقع الميليشيا التي تحرس مطار طرابلس، لنجد أيضا طريقا خلفيا أمام موقع الطائرات القديمة.
وقبالة الطريق، عثرنا على حطام الطائرة في حالة جيدة مثيرة للدهشة حيث حافظ الطقس الصحراوي على حالتها، لتكون جاهزة للكشف عن أسرارها للمحققين في حادثة تحطمها.
فرقة اغتيالات
لم يكن العجيلي المصدر المطلع الوحيد من نظام القذافي الذي التقينا به في رحلاتنا.
ففي إحدى الجزر الخاصة في المحيط الهادئ، تحدثنا مع لوتز كايسر وهو مصمم صواريخ ألماني عمل لصالح القذافي في الثمانينيات من القرن الماضي.
يقول كايسر إن القذافي "كان شخصا لطيفا جدا ومتواضعا، وكان لدي الانطباع بأنه يخفي ضعفه وراء مظهره الخارجي".
وتقول سوزان زوجة كايسر إن القذافي كان "جذابا للغاية"، لكنه شعر بخيبة أمل لاحقا حينما فشل في إقامة "المدينة الفاضلة" في ليبيا.
وفي هافانا، التقينا بفرانك تيربل وهو أمريكي هارب من العدالة أدار عملية لفرقة الاغتيالات "ميردر إنكوربوريتد" لصالح القذافي في السبعينيات من القرن الماضي لقتل معارضين ليبيين في الخارج.
وقال تيربل "كان القذافي يعتقد بأن أي شخص معارض يجب القضاء عليه، لقد كان لديه اتفاقات للقضاء على مجموعة من الأشخاص (المعارضين) في لندن".
نشاط نووي
وبعد البحث عنه لأشهر، تمكنا في نهاية المطاف من الوصول إلى اورز تينر وهو مهندس سويسري عمل لصالح عبد الكريم خان، الذي وصف يوما بأنه "أخطر رجل في العالم".
استطاع خان تطوير أسلحة نووية لباكستان، وعرض لاحقا توفير التكنولوجيا النووية لأي دولة تدفع له مقابل مادي، وكان القذافي العميل الذي يدر عليه أعلى ربح.
يقول تينر إنه لم يكن يعلم بأن خان "يعمل على نشر الأسلحة النووية"، لكن حينما علم بذلك أبلغ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي اي ايه" التي قامت باعتراض سفينة كانت تحمل المكونات النهائية لأحد أجهزة الطرد المركزية.
وكشفنا أيضا عن أدلة تشير إلى حدوث انتهاكات جنسية بحق فتيات صغار من جانب القذافي.
وأبلغتنا واحدة من حارسات القذافي إنها كانت تخاف منه بشدة "(ففي إحدى الليالي) كنا نشهد إعدام 17 طالبا، لم يقوموا بشنقهم، بل أطلقوا النار عليهم، ومنعنا حينها من الصراخ، وطلب منا الابتهاج".
وعثرنا أيضا في نهاية المطاف على غاري بيترز وهو حارس استرالي لعائلة القذافي فر إلى النيجر مع السعدي نجل الزعيم الراحل، بينما كان القذافي يظهر للمرة الأولى في سرت.
وقال بيترز "صمد (القذافي) حتى النهاية لأنه اعتقد أن بإمكانه استعادة مكانته".
0 التعليقات:
إرسال تعليق