i

الخميس، 16 يناير 2014

قصعة " تتوعد بالعمى" من يحدّق فيها يوم المولد النبوي

على مدى أسبوع كامل، تحتفل بلدة تازارين، التي تبعد عن مدينة زاكورة بـ 136 كيلومتر بالمولد النبوي على طريقتها الخاصة. التبرك بالأولياء الصالحين الذين تعج بهم البلدة، ابتداء بسيدي عمرو، وسيدي عبد الرحمان، وسيدي بن حقي ، وغيرهم كثير من "أولياء الله الصالحين"..
سيدي عمرو .. ضَريح أنيق
أول ما يثير انتباهك في مدخل تازارين بعد "التذكار الرخامي" الذي يخلد زيارة محمد الخامس لهذه البلدة سنة 1958، هو قبب "الأولياء الصالحين"، خاصة قبة ضريح سيدي عْمْرو الناصعة البياض، حيثُ تُعاد صباغة الضريح كل سنة، ويُزين بالأعلام كل مولد ويتم " تَجيِير " حيطانه ليغدو أنيقا مستعدا لاستقبال جحافل الزوار القادمين من كل فج عميق..
والغريب أن ثانوية البلدة، وتحمل أيضا نفس الاسم "سيدي عْمْرو"، ربما لجعل الأجيال الناشئة من خريجي هذه الثانوية مرتبطين وجدانيا بالمنطقة، تبدو مشققة الجدران، متصدعة الحيطان، آيلة للسقوط على رؤوس التلاميذ في الوقت الذي ما يزال فيه ضريح الولي ناصع البياض. ولا ولي من أولياء أمور المواطنين تدخل لبناء ثانوية تليق بتلاميذ يأتون من أزيد من 55 من دوّار.
يقضي كل الحوائج !
موسم للجميع، لقضاء كل المآرب، فالفتيات اللواتي تأخر زواجهن يزرنه في أيام المولد النبوي استعجالا لبعلٍ يصون شبابهن، وأما النساء اللواتي تأخر إنجابهن فيزرنه طلبا للذرية الصالحة.
ومن كسدت تجارته يزور، ومن بارت فلاحته يزور. "هذا موسم لجميع المآرب، يكفي أن يُعمِل المرء نيته، ويعتقد أن حاجته مقضية ليقضيها الله بعد زيارته" يؤكد شيخ سبعيني يؤمن ببركة هذا الولي، ويدعو إلى " توقيره واحترامه" .
لا تنظر جهة القصعة.. حتى لا تفقد بصرك
"لا تنظر إلى تلك القصعة عند إدخالها من الكوة الصغيرة، وإلا ستصاب بالعمى".. تلك أول نصيحة يقدمها للزائر الشيوخ والفقهاء المتحلقون حول قصعة كسكس كبيرة، احتفالا بذكرى المولد النبوي بضريح سيدي عمرو.
تُملأ القصعة بالكسكس، وهي قصعة متوارثة وقديمة، ويتم إصلاحها دون الاستغناء عنها أو استبدالها بجديدة، لما فيها من بركة كما يعتقد الناس. ويتم تقريبها من باب صغير عبارة عن كوة لا يمكن أن تدخل منه القصعة، على الأقل أفقيا. وعندما يهيمون بإدخالها يطلبون من الجميع أن يُغمض عينيه، وإلا ستنزل عليه "لعنة" الولي الصالح سيدي عمرو.
الجمهور في أغلبه نساء وشيوخ قدموا للتبرك وطلبا لقضاء حاجة، وشبان فضوليون لم يفوّتوا زيارة الضريح. وإن اختلفت الحوائج، فإن الأعمال بالنيات.
ولا يتوانى الفقهاء وشيوخ الضريح من تحذير المتحلقين وتنبيهم بقصص كثيرة لأشخاص "راسهم قاسح " لم يُغمضوا أعينهم لحظة دخول القصعة الكبيرة في الكوة الصغيرة، فأصابهم العمى وجاءوا إلى الضريح صاغرين يطلبون المعذرة والعفو.
الباب الصغير يؤدي إلى بيت صغير وضيق، وبداخله يتجمع فقهاء يتلون الأذكار، أو هكذا يبدو.. فيحمل 12 رجلا من الشداد الغلاظ تلك القصعة لإدخالها، وكي يضمنوا عدم رؤية طريقة دخول تلك القصعة من الباب الصغير، إلى جانب نُصح الناس بغض الأبصار، وما يزال الزوّار يستجيبون للأمر خوفا من العمى، فإنهم يعمدون إلى وضع ثوب يحجب الرجال الإثني عشر مع قصعتهم.
وإذا كانت مدة وضع ذلك الثوب قصيرة، إلا أنه ما أن يُزاح الثوب حتى تكون القصعة وحامليها داخل الغرفة حيث يوجد الفقهاء. مما يعطي انطباعا لزائري المكان أن القصعة الكبيرة ما داخلت من الكوة الصغيرة لولا بركة الولي الصالح سيدي عْمرو.
وبعد ذلك يتصارع الزوار، من نساء وأطفال وشيوخ، من أجل الظفر بلقمة من هذا الكسكس الذي فيه "دواء لكل داء " حسب فقهاء وشيوخ الضريح، الذين يرون أن أكل بعض هذا الكسكس يشفي الأمراض المستعصية وينزل البركات على الآكلين.
دعاء مدفوع الأجر
ولجمع المال لتغطية مصاريف الضريح وخُدّامه وتحصيل بعض الأرباح، فإن الفقهاء وبعض الشيوخ يعمدون في حلقات للدعاء الجماعي لكل من يدفع لهم نقدا، وإن كانوا لا يشترطون مبلغا معينا، فإن جودة الدعوات وطولها مرتبط بشكل أو بآخر بالمبلغ المالي.
وينتهي موسم سيدي عمرو، ويبدأ موسم سيدي عبد الرحمان الذي يشترون فيها جملا سمينا، وينتفون وبره، والتبرك به، ثم تقديمه قربانا لولي آخر بتامسنا، وليبدأ ولي آخر وهكذا دواليك..

0 التعليقات:

إرسال تعليق